كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما اكتمال التشريع فلا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بعدة نسوة في وقت واحد لأغراض تشريعية، نذكر منها ما يلي:
أ- إبطال عادة التبني التي كانت متبعة في الجاهلية: كان من عادات العرب الشائعة في الجاهلية أنهم يتخذون لأنفسهم أبناء أدعياء يلصقونهم بأنسابهم، ويعطونهم جميع حقوق الأبناء حتى في المواريث، ومحرمات النكاح، ولما أراد الله أن يبطل عادة التبني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج زينب بنت جحش الأسدية لزيد بن حارثة مولاه ومتبناه (14)، والله سبحانه يعلم أنهما لايتفقان على بقاء هذه الزوجية؛ بسبب التفاوت في المكانة، والاختلاف في النسب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب وقال لها: «إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة، فإني قد رضيته لك»، قالت يارسول الله: لكني لا أرضاه لنفسي، وأنا أيّم قومي، وبنت عمتك فلم أكن لأفعل، فنزلت الآية: {وَمَا كَانَ لمُؤْمنٍ وَلاَ مُؤْمنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيَرَةُ منْ أَمْرهمْ وَمَن يَعْص اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلًا مّبينًا}(15)، فقالت زينب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: قد أطعتُك فاصنع ما شئت، فزوجها زيدًا ودخل عليها، فكانت بعد الزواج تغلظ له القول، وتتعاظم عليه بالضرف والمنزلة، فيذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيًا منها، ويستأذنه في طلاقها، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك زوجك واتّق الله} وهو يعلم أنه لابد له من طلاقها، وأن الله سيأمره بالتزوج بها إبطالًا لبدعة التبنّي، وتجويزًا لنكاح أولاد الأدعياء.
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر هذا لزيد، ولا لغيره من الناس خشية أن يقولوا: إن محمدًا تزوج امرأة ابنه المتبنّى، فأنزل الله تعالى في ذلك قوله: {وَإذْ تَقُولُ للّذيَ أَنعَمَ اللّهُ عَلَيْه وَأَنْعَمْتَ عَلَيْه أَمْسكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّق اللّهَ وَتُخْفي في نفْسكَ مَا اللّهُ مُبْديه وَتَخْشَى النّاسَ وَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخْشَاه} (16).
فلما طلقها زيد بمحض اختياره وإرادته، زوَّجه الله إياها بدون عقد، وفي هذا نزل قوله تعالى: {فَلَمّا قَضَىَ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا زَوّجْنَاكَهَا} (17).
ثم عللت الآية هذا الزواج فقالت: {لكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمنينَ حَرَجٌ فيَ أَزْوَاج أَدْعيَآئهمْ}.
وبعد نزول هذه الآيات التشريعية بطلت عادة التبنّي، وحلّ الزواج بزوجات الأدعياء.
ويتلخص مما تقدم: أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب الأسدية كان لغرض تشريعي، وغاية اجتماعية ألا وهي إبطال عادة التبنّي.
ب- المساهمة الكبرى في رواية السنة: إن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وإن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن قد ساهمن مساهمة فعالة في رواية كل قول سمعنه، وفي نقل كل فعل رأينه من النبي صلى الله عليه وسلمه، فوصل بذلك كثير من السنة إلى الأمة الإسلامية، عن طريق الرواية من نساء مقطوع بصدقهن، ومجمع على أمانتهن وعدالتهن، ويكفيهن فخرًا وشرفًا أن سماهن القرآن أمهات المؤمنين وخطابهن بقوله: {يا نساء النبي} إلى غير ذلك من هذه الألقاب والصفات.
ولقد ذكر الرواة أن عدد الأحاديث التي رواها نساء الرسول صلى الله عليه وسلم عنه جاوزت ثلاثة آلاف حديث، وأن صاحبة السهم الأكبر في رواية الحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد روت عنه 2210 حديثًا، ويليها أم سلمة رضي الله عنها التي روت 378 حديثًا، وباقي الزوجات كن تتراوح أحاديثهن بين 11 إلى 65 حديثًا، وهذا التفاوت في رواية الحديث يرجع بسببه إما إلى الذكاء، أو مدة الحياة الزوجية، أو امتداد العمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمعت هذه الأسباب للسيدة عائشة رضي الله عنها، فقد كانت ذكية، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بها في أول الهجرة، وعاشت بعدة حتى سنة 58 هـ.
أما السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها فكانت آخر نسائة زواجًا، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة، فروايتها للحديث كانت اقل من باقي الزوجات لقصر الإقامة، وقس على ذلك صفية وزينب الأسدية رضي الله عنهما.
ويتلخص مما تقدم عن حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مساهمتهن الفعالة في رواية الحديث لاكتمال التشريع،، والحفاظ على السنة النبوية.
سنة مبدأ العدل والأخلاص السمحة: باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة، أقواله وأفعالة تشريع، وجب على كل من يرغب بالزواج، أو يجد في نفسة حاجة ملحة إلى التعدد، أن يكون على اطَّلاع تام بكل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال في ملاطفة الأهل، والعناية بالزوجات، وإحقاق الحق لهن، وتطبيق مبدأ العدل والمساواة بينهن؛ حتى لا يحيف مسلم، ولا يتطاول متزوج؛ وسبق أن ذكرنا في بحث أحكام التعدد في الشريعة الإسلامية طائفة من الأحكام القرآنية، فارجع إلى البحث تجد مافيه الكفاية.
أما فعلة عليه الصلاة والسلام في سنة مبدأ العدل بين زوجاته، وإعطائه المثل الكامل في الأخلاق الرضية والملاطفة؛ فإن رواة الحديث مؤرخي السيرة قد أفاضوا في معاشرته أزواجه بالمعروف، والقسمة بينهن بالعدل، في كل من المبيت والنفقة واللطف والتكريم. وحين يأتي الكلام عن حكمة إعطاء القدوة في تعدد أزواجه عليه الصلاة والسلام، سنفصل القول في ملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم لأزواجه وحسن معاشرته لهن، وعندئذ يتضح للقارئ الكريم السر من هذا التعداد، والحكمة من هذا الجمع.
أما تحقيق التكافل: فمن المعلوم بداهة أن من الأسباب التي دعت إلى التعدد؛ هي رحمة ببعض نسوة كن لايجدن من يرعاهن، ويقوم على امرهن بعد فقد ازواجهن.
فهذه سودة بنت زمعة رضي الله عنها، اول إمرأةتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وكان تّوفي عنها زوجها الذي هو ابن عمها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية، والحكمة في اختيارها أنها لو عادت إلى أهلها في مكة لأكرهوها على الشرك بالفتنة والعذاب، فختار النبي صلى الله عليه وسلم كفالتها، ورغب في زواجها. وكان الزواج منها قبل عام الذي هاجر فيه إلى المدينة بثلاثة أعوام.
وهذه هند أم سلمة المخزومية رضي الله عنها، كانت هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وقد توفي زوجها بعد غزوة أحد، وعزاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «سلي الله يأجرك في مصيبتك، ويخلفك خيرًا»، فقالت: ومن يكون خيرًا من أبي سلمة؟، ولما خطبها لنفسة اعتذرت بأنها مسنة وأم أيتام (18) وذاتُ غَيْرة، فأجابها صلى الله عليه وسلم بأنه أكبر منها سنًا، وبأن الغيرة يذهبها الله سبحانه وتعالى، وبأن الأيتام إلى الله ورسوله.
فهذا النص يدل دلالة وضحة على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على رعاية الأيتام، وكفالة الأرمل، وتعزية المصابين.
وهذه أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها كانت أسلمت في مكة وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة، فتنصر زوجها هنالك وفارقها، فأرسل النبي صلى الله عليه سلم إلى النجاشي فخطبها له، وأصدقها عنه أربعمائة دينار، ولما عادت إلى المدينة بني بها، وكان من دوافع هذا الزواج احترامهاوكفالتها وجبر خاطرها بعد مصابها بتنصّر زوجها، وعداوة أبيها.
ويتلخص مما تقدم أن من دوافع هذا الزواج، أسباب هذا التعدد الرحمة بالأرامل وكفالة النساء المسنّات الأيامى، فهل يكون التزوج بهؤلاء النسوة وأمثالهن لغرض الشهوة والاستمتاع كما يتقوّل البعض؟.
أما توثيق روابط الصحبة: فظاهر في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتي احب الناس إليه، وأعزهم عليه: عائشة بنت ابي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا. أما زواجه بعائشة أم المؤمنين فقد ؤوى ابن سعد وابن أبي عاصم من طريق عائشة قالت: لما توفيت خديجة- رضي الله عنها- قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خَلّة لفقد خديجة، فقال: أجل، كانت أم العيال، وربة البيت.
قالت: أفلا أخطب عليك؟ قال: بلى، فإنكن معشر النساء أرفق بذلك، فخطبت عليه سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر. وفي رواية: قالت خولة للنبي صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله ألا تزَوَّج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيّبا، قال: فمن البكر، قالت: بنت أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة؛ آمنت بك واتبعتك، قال: فاذهبي فاذكريهما عليّ. قالت عائشة: فجاءت فدخلت بيت أبي بكر فوجدت أمّ رومان، فقالت خولة: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟!. قالت: وماذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قالت: وددت، لو تنتظرين أبا بكر، فجاء أبوبكر فذكرت له، فقال: وهل تصلح له وهي بنت أخية؟ فرجعت فكذرت ذلك لنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «قولي له: أنت أخي في الإسلام وابنتك تحل لي».
وهنا نقف لحظة لنعرف ماذا يقصد الصدّيق أبو بكر من قوله: وهل تصلح له وهي بنت أخيه؟ يقصد أن الرابطة الأخوية الصادقة التي تربطه برسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت في القوة والمتانة مبلغ رابطة إخوّة النسب، فما كان يتصور رضي الله عنه أن عائشة تحل له، وماكان يدور في خلده أن يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بابنته؛ ولكن لما علم أبو بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي نقلته له خولة: «أنت أخي في الإسلام وابنتك تحل لي»، لما علم ذلك هشّ لهاذا الزواج وفرح به، بل كان مفتخرًا بهذه المصاهرة معتزًا بها على مدى الأيام؛ فإذا اجتمعت فضيلة وإخوة الدين، وفضيلة المصاهرة، وفضيلة الصحبة والسبق إلى الإسلام في إنسان، فلتكن في أبي بكر الصديق، فقد جمع الخير من كل جهاته، وحاز المجد من جميع أطرافه رضي الله عنه وأرضاه.
أما زواجه بحفصة بنت عمر أم المؤمنين، فقد روى ابن الأثير في أسد الغابة حفصة كانت متزوجة بخنيس بن حذافة السَّهمي، وكان من المهاجرين الأولين إلى أرض الحبشة، وممن شهدوا بدرًا، ومات في المدينة متأثرًا بجراحه بعد موقعة أحد، فرأى عمر أن يزوجها، فعرضها على أبي بكر فسكت، وعرضها على عثمان بعد موت زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماأريد أن أتزوج اليوم، وإنما كان يرجوا أن يزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم، وقد ساء عمر رضي الله عنه ماكان من أبي بكر وعثمان، وهنا الكفئان الكريمان لابنته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة» فلقي أبو بكر عمر فقال: لا تَجدْ عليّ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها، وكان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بحفصه سنة ثلاث من الهجرة على القول الراجح.
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة في السنة الثانية من الهجرة، فكان هذا قرّة عين لوزيره الأول، وصاحبه في الغار، وتزوج في حفصة في السنة الثالثة من الهجرة ليسوي بين عمر وبين أبي بكر في شرف المصاهرة، ومتانة الصحبة، ولم يكن في الإمكان أن يكافئهما على صدقهما وإخلاصهما وجهادهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الزواج، وأكرم من تلك المصاهرة.
لولا الذي فعلة الرسول صلى الله عليه وسلم من الزواج بحفصة لكانت حسرة في قلب عمر، ولوعة تعتلج نفسه وصدره؛ فما أكرم سياسته صلى الله عليه وسلم، وما أعظم وفاءه للأصحاب المخلصين!.
وأما إعطاء القدوة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة والمثل الكامل في حسن معاشرته لأزواجه، وإرادة الخير لهن، وتحقيق العدل بينهن، ولا بأس أن نذكر طرفًا من هذه المعاملة الطيبة حتى يتأسى المتزوجون بها، ويمشوا على هديها ونهجها، وبالتالي حتى يعلم كل ذي عقل وبصيرة الحكمة من هذا التعدد والسر من هذا الجمع.
أ- القسمة بالعدل: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يقسم أوقاته بالعدل بين نسائه جميعًا، وكان يدور عليهن كل يوم امرأةً امرأةً، إلى أن يصل إلى التي عندها الدور فيبيت عندها، ولما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة، تبغي رضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، روى أحمد وأصحاب السنن أن سودة بنت زمعة لما أسنّت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت يارسول الله: وهبتُ يومي لعائشة، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منها.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها؛ تحقيقًا لجانب العدل، ولما حج أخذهن كلهن معه. ولما مرض عليه السلام مرضه الأخير شقّ عليه أن ينتقل بين بيوت نسائة كل يوم كما كان يفعل في حال صحته، فكان يسأل- كما روى البخاري: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه كلهن أن يكون حيث شاء، فختار بيت عائشة وفيه توفي، وروى أبو داود أنه بعث في مرضه إلى نسائة فاجمعهن، فقال: «إني لا أستطيع أن أدور بينكن؛ فإن رأيتنّ أن تأذنّ لي أن أكون عند عائشة» فأذنّ له، ومن حكمة ذلك أن يدفن في بيتها، وقد كان صرح من قبل بأنه يدفن حيث يموت.
وقس على عدله بالمبيت عدله صلى الله عليه وسلم بالنفقة واللطف والبشاشة والتكريم.
ب- احترامه لآرائهن: كان عليه الصلاة والسلام يقبل من نسائه أن يراجعنه فيما لا يرضين به، فلا يسخطه ذلك، حتى أصبح نساء الصحابة يقتدين بهن، فقد روى الطبري عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: فَصحْتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولمَ تُنكر أن أراجعَك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه.
ت- مساعدته في خدمة البيت: روى الطبري وغيره عن عائشة أنها لما سئلت: ماذا كان يصنع الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت قالت: «كما يصنع أحدكم، يشيل هذا، ويحط هذا، ويخدم في مهنة أهله، ويطح لهن اللحم، ويقمّ البيت، ويعين الخادم في خدمته» وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
ث- استنكاره ضرب النساء: روى ابن سعد في طبقاته أن سبعين امرأة شكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب رجالهن لهن، فأغضبه ذلك، وقال: إنه لا يحب أن يرى ذلك أبدًا، وقال: عندما شكت له مرأة ضرب زوجها: «يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد، ثم يظل يعانقها ولا يستحي» وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر على الناس ضرب نسائهم، فإن أعطى لأصحابه القدوة العملية في الملاطفة، وعدم ضرب النساء، فقد روى ابن سعد عن عائشة أنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط، ولا خادمًا، ولا ضرب شيئًا قط؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله.
ج- وفاؤه لمن مات منهن: من المعلوم أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، كانت أول زوجاته صلى الله عليه وسلم فقد قضى معها زهرة شبابه، وعنفوان رجولته، ولما ماتت ظل النبي صلى الله عليه وسلم طول عمره يذكرها، ويكرم صديقاتها ومعارفها.
وذكرت كتب التاريخ والسّير أن عجوزًا زارت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فأكرم مثواها، وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، فلما انصرفت سألته عائشه عنها لتعلم سبب إكرامه لها، فأخبرها أنها كانت تزور خديجة.
وروى ابن عبد البر والدَّوْلابي أن عائشة كانت تغار من خديجة كلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت له مرة: هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها؟- تعني نفسها- فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «لا والله ماأبدلني خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من الناس» قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسيئة أبدًا.